كتبت: ريفكا جالتشين
ترجمة: أحمد حوزة
إحدى
القصص المفضلة تحكي عن عائلة انتقلت لتعيش في منارة، عن الطيور التي تلقى حتفها
مصطدمة بمصباح المنارة، وعن عوامة يتضح أنها لغم عائم. وبامتداد خط حكي سوء إدارة
المرافق العامة بالإجمال، يمتد خط حكاية إخفاق الأب المستمر بدلًا من تحقيق هدفه
من الانتقال إلى المنارة: أن يكتب رواية البحر المدهشة. إنها حكاية مصورة ذات نبرة
فكاهية في ألوان تشبه مزيج حلوى الطوفي؛ كما أنها أصبحت الآن أكثر ما تفضل طفلتي
قراءته، طفلتي التي ما زالت تتعلم المشي. وعندما تضعها من يدها تلتقط كتابًا مجسمًا
عن بحار شاب سوف يأكله زملاؤه على السفينة في نهاية المطاف. هي تحب أيضًا حكاية
التراجيديا التوجيهية «أيجب عليّ مشاركة مثلجاتي؟» التي يستطرد بطلها بكل تأنٍ في
استعراض الدروس الأخلاقية والذوقية التي تعنيها المشاركة، وبينما يفعل ذلك تذوب
مثلجاته الحبيبة دون انتباه منه. اقرأ كتب الأطفال مرات كافية وستبدأ في رؤيتها
مثل شكسبير. من هو كورديوري إن لم يكن ميراندا حديثة، ملأى
بالتساؤل؟ ما الذي يتعلمه الفتى في «يوم مثلج» غير أن عالمنا ما هو إلا استعراض
تافه للمظاهر؟ قط دكتور سوس هو فالستاف شكسبير، وماكس -ذاك الشيء الجامح في
البرية- يحنّ –مثل حنين الملك لير- لمملكة المحبة الحقيقية التي أخفق في التعرف
عليها.
أو ليس
كذلك. فأنا وطفلتي لا نقرأ كتبها بنفس الطريقة بالضبط. «أين لاكلي؟» تسألني. فإذا
ما كنت أختبر كتبها غالبًا كملاحم هزلية، فإنها ترى اللغة شعرًا. طفلتي لا تقرأ من
أجل ما سيحدث تاليًا، هذا ما أعتقده، حتى بعدما أخذت تحاكي إيقاع معلمة الروضة وهي
تقول «ماذا سيحدث يا تُرى» قبل أن تقلب الصفحة. الذي سيحدث تاليًا غالبًا ما يكون
مجرد حيوان آخر في حديقة الحيوانات. بعض الكتب تحتوي حبكة، لكنها تقرأها كمنظر
طبيعي أبدي. ما يعنيه هذا هو أنه لا شيء يحدث، هي تقرأ من أجل هذا اللا شيء، كما
أعتقد. لا أعرف حقًا ما يدور بخاطر طفلتي، وهي أيضًا، لا تعرف. ليلة الأمس في
نومها نادت «لا أريد بالونة!» فما الذي سيحدث يا تُرى؟
«تذكرين
عندما كنا نقرأ ذاك الكتاب؟» سألتني طفلتي بالأمس. كانت تتحدث عن «موبي-ديك».
«موبي-ديك» للأطفال –إنه «موبي-ديك» في كلماتٍ عشرة. في الواقع، أظن أنه الكتاب
الذي كانت تتحدث عنه. فمن الصعب تحديد إذا ما كانت ببساطة تقلد شيئًا نسيت أنا
أنني أخبرتها به. تتذكرين؟ لأي وقت مضى –وهي بنت العامين والنصف- قد تشعر بالحنين؟
تخبرني ذاكرتي
عن بيت طفولتي أن مصدر مواد القراءة الأساسي في ذلك الحين كان الاقتباسات الملهمة
المطبوعة على عبوات شاي سيليستيال سيزوننج. سبعة كلمات من إيميلي ديكنسون.
إثنا عشرة كلمة من رالف والدو إيمرسون. أكانت الكتب قليلة جدًا لهذا الحد؟ أسأل
أمي. فتقول نعم، كتبٌ قليلة للغاية: «لم أقرأ لك غير الكتب التي أظنها غير مملة.
كان من الصعب العثور على مثل هذه الكتب. أحد الكتب التي أتذكرها الآن كان "لا
مكان للخباز".» أنا أيضًا أتذكره! يحكي الكتاب عن خباز يملأ بيته بالحيوانات الأليفة
حتى لا يتبقى بالبيت مكان يكفي لينام فيه بالنهاية. أتذكر أيضًا حكاية أخبرني بها
أبي: لقد عملت أمي لبعض الوقت في وظيفة بدوامٍ ليلي، كانت تبيع فيها ألواح الطاقة
الشمسية –وليس لدي أدنى فكرة لما قد يبيع أحدهم ألواح الطاقة الشمسية في المساء-
ولذا كانت تغفو بالنهار في خزانة بالبيت، على أمل أن تنجح في النوم دون أن نزعجها
أنا وأخي.
وجود طفل
في حياتك يشبه إعادة قراءة طفولتك الخاصة. لطالما كنت متعلقة بقصة أن والديّ
كلاهما ما كانا يباليان بثقافة الأطفال –وهو ما أعجبني بالأساس: كانا صريحين في
تململهما من حفلات عزف البيانو وحفلات التخرج وكتب الأطفال. لكن الحكاية التي تخبرنا
بها هذه الحكاية قد تغيّرت مؤخرًا بالنسبة لي. أصبحت مدركة لأن اللامبالاة بثقافة
الطفل لما تكن لا مبالاة بالأطفال أنفسهم بأي حال من الأحوال.
إحدى
تصورات ما يمكن لأدب الطفل أن يكونه، هو أن يكون أيًا ما يقرأه الطفل. وعلى هذا
الأساس أكون أنا قد قرأت كثيرًا كطفلة. وأدرك أنني أربط تقريبًا أغلب ما قرأته
بأمي. ملصقات «باناكول» الغامضة على التفاحات التي قشرتها من أجلي وعلبة
رويال دانسك الملأى بكوكيز الزبدة الدنماركية ورزم مخاطبات إد ماكماهون –المفوض لي
بتولي أمرها- والتي لربما تصنع لنا الملايين وأسماء والديّ الغريبة على الشيكات
التي كان في خلفيتها سلاسل جبلية شاحبة؛ سلاسل جبلية دُعيت للاختيار من بينها
بنفسي، من بين صفحة ملأى بالاختيارات المتعددة الكثيرة. هذه التجربة في أغلبها ما
هي إلا صخبٌ من الكربوهيدرات والبريد غير المرغوب فيه، لكنّ كل هذه الأصوات كانت
مسكونة للغاية –وما زالت مسكونة للغاية- بشعورٍ بالرخاء والمغزى والضياء. ما زال
قلبي يطير حين يقع بصري على لغة تستدعي ذكرى أغلفة كتب أمي الدراسية: بيزك بيزك
فورتران.
كتاب
طفلتي المفضل، حكاية بيت المنارة، تقع أحداثه بين أفراد عائلة مومين شاحبي اللون؛
إنها –من جهة- حكاية عن فنلندا ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها أيضًا حكاية
من يقع في حب البيت الذي كان لديه طول العمر، البيت الذي بدا من قبلُ غير كافٍ أبدًا.
يتخلى بابا مومين عن رواية البحر المدهشة التي أراد أن يكتبها. ويكتبُ –بفخر- «كم
أفتقد شُرفتي أنا الآمنة.»
______
نشر النص الأصلي بمجلة ذا نيويوركر؛ عدد 6 يونيو 2016
ومنشورة إلكترونيًا عبر هذا الرابط
______
نشر النص الأصلي بمجلة ذا نيويوركر؛ عدد 6 يونيو 2016
ومنشورة إلكترونيًا عبر هذا الرابط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق