السبت، 4 مارس 2017

في مكان ما أبدًا لم أزره




شعر: إي إي كمينغز
ترجمة: أحمد حوزة
في مكان ما أبدًا لم أزره بسعادة أبعد
من أي سعادة ممكنة -عيناكِ تمتلكان صمتهما:
في أوهن إشارة منك هنالك أشياء تطوقني،
أو لا أستطيع لمسها لشدة قربها

نظرتك الأبسط في يسرٍ ستفتحني
مع أنني قد أغلقت نفسي مثل أصابع،
بتلة بعد بتلة تفتحين دائمًا نفسي مثلما الربيع تفتح
(وتمس بمهارة -وغموض) وردتها الأولى

ولو تكون أمنيتك انغلاقي، فإني
وحياتي سننغلق في جمال بالغ –فجأة-
كحين يتخيل قلب هذه الزهرة
 الثلج بحرص في كل مكانٍ يهبط؛

لا شيء سندركه في هذا العالم يقابل
قوة هشاشتك المركزة: التي نسيجها
يخضعني أنا بلون بلدانه،
جالبةً الموت والأبدية مع كل تنفس

(أنا لا أعرف ما الذي يغلق فيك
وما الذي يفتحني؛ إلا أن شيئًا ما بداخلي يفهم
صوت عينيك أعمق من كل الورود)
لا أحد، ولا حتى المطر، يمتلك يدين بمثل هذا الصغر




***

تعليق على الترجمة
تمتع كمينغز بأسلوبه الخاص في بناء الجملة الشعرية وفي طريقة ترتيب مفرداتها في أطر غير تقليدية من العبارات والجمل. كان ذلك نتيجة تأثره بالحداثيين البارزين في عصره مثل جيرترود شتاين وعزرا باوند، وكذلك باطلاعه على الاعمال السريالية وأعمال حركة دادا الفنية في باريس. أجد هذه القصيدة ملائمة كمثال على هذه الملامح المميزة في العديد من قصائده. هنالك شيء ما في أسلوبه هذا يستدعي الترجمة على عدة مستويات؛ أولها داخل اللغة وأثناء قراءة النص الإنجليزي الذي يفاجئ القارئ بعدم اتساقه مع ما يتوقع من مفردات الجملة أن تتواجد عليه؛ وإلى جانب هذا التأثير توجد عناصر التصوير المتفرد –الناتج من خبرة كمينغز كرسام مهتم بالصورة وفعل التصوير وتعبيرهما غير العادي عن الواقع- وهو ما أثار فضول المترجم بداخلي؛ يريد المترجم الهاوي بداخلي أن يحاول تذوق نص كمينغز بعد أن يعبر إلى لغة أخرى... هذا الانتقال إلى العربية أضاف للنص إشكالية لم تكن بالوضوح ذاته في لغته الأولى. أصبح النص أمامي أكثر تفككًا –وربما بدا فيه بعض العبث- وأصبح علي الاختيار بين إنتاج ترجمة مُرضية لذائقة النظرة الأولى إلى النص وبين الإخلاص –شبه التام- لتجريبية نص كمينغز. وأظن أنني كنت أكثر ميلًا والتزامًا بالاختيار الثاني. وتبقى هناك إشكالية مفتوحة النهاية: إشكالية فعل القراءة الجهرية، الذي يساهم بالكثير في تجربة القارئ عند اختباره للنص. ربما يكون ذلك مما قصده كمينغز حين كتب بأسلوبه هذا، لكنني حين أنظر إلى نصي المترجم –الذي أنسبه لنفسي على استحياء- أجد أن اختياري الإخلاص لاسلوب كمينغز يسلبني قدرًا كبيرًا من سلطتي كمترجم؛ فكيف تضيف القراءة الجهرية للنص الذي أنتجته؟ أقرأ النص مرة فتسمعه أذناي متماسكًا متتابعًا؛ أقرأه مرة أخرى فيتصاعد إلي مليئًا بالكسور وببعض الإحباط كأنه قصيدة -وترجمة- غير منتهية... في النهاية أختار الإبقاء عليه ونشره هنا، وأرى أن تذوقي لنصوص كمينغز لم ينته بعد وربما يحتاج مني ترجمة قصيدتين أو ثلاثة بعدُ حتى تتضح التجربة... النص الأصلي مأخوذ من أعمال إدوارد إستلن كمينغز الكاملة ومتاح إلكترونيًا عبر هذاالرابط؛ أما الترجمة المنشورة فهي المسودة النهائية بعد مراجعات ثلاثة.